الحسيمة
حينما حاولوا إذلال شموخ الريف
عادل تشيكيطو
معتقلون سياسيون يتعرضون للقتل ويدفنون ليلا ولا أحد كان يعلم غير عامل الإقليم
بالريف الشامخ.. وفي غمرة انسياب الحزن الى قلوب ذويه، استوقفت الحسيمة موكب العاشقين لتحكي لهم قصة أناس قتلتهم المحن وسياط المخزن القديم.. الحسيمة المتوسطية العابقة بروائح الشهداء، تنعي أبناءها دون أن تمحوَ أسارير إبتسامتها التي غطت شواطئ الريف وجباله بجمال بارد يدرئ عنها كدمات الزمن الغادر. ومن الحسيمة انبعثت صرخات... معارضة أو متألمة. أصوات مبحوحة ببكاء الأرامل والأمهات. تشكي بطش أياد كاسرة قتلت وعذبت... يتّمت ورمّلت... أياد جعلت من مخافر الحسيمة مراكز جهنمية ترقد في حيطانها صرخات المعذبين ظلما وعدوانا. وإذ الحسيمة الوضاءة لا تنسى جشع الجلاد القاتل فهي لا تنسى تضحيات وسجايا العامل والتلميذ والطالب الذي قضى في مخافرها وشوارعها وهو لا يعرف لماذا قضي عليه. مدينة الحسيمة أو )بيـــّا كما يسميها أبناؤها، مدينة العشق والصمود والنضال... وموطن المناضلين الشرفاء اتخذت لأبنائها موقعا على ساحل البحر الأبيض المتوسط وطوقت زواياها بتضاريس الريف البهية، يبلغ عدد سكانها نحو 80.000 نسمة وهي عاصمة جهة تازة الحسيمة تاونات. تنتمي المدينة إلى منطقة الريف الكبرى. وتعتبر مدينة الحسيمة من بين المدن التي طالت الأيادي الآثمة براءتها الطاهرة، وهلكت شموخها وأنفتها، حيث عرفت هذه المدينة ما بين 11 و17 يناير 1984 أحداثا دموية كان القتل والتعذيب أحد عناوينها العريضة. إذ عمدت السلطات الأمنية إلى استعمال السلاح الناري خلال هذه الأحداث ردا على احتجاجات كانت قد اجتاحت مجموعة من المدن المغربية في شماله وجنوبه. وقد قامت السلطات الأمنية باستخدام أبشع الطرق من أجل وقف تلك المظاهرات بالحسيمة. وحسب شهود عيان كانوا من المواكبين لهذه الأحداث، فإن هذا الرد من قبل الأجهزة الأمنية كان قد وازاه رد آخر لسكان المنطقة حيث لجأ المتظاهرون منهم إلى التخريب ومواجهة رجال الأمن، وقد أدت هذه المواجهة إلى إصابة مواطنين أبرياء لا علاقة لهم بالأحداث نظرا لأن عملية إطلاق النار العشوائية كانت تستهدف الصغير والكبير دون تمييز، وكذلك لأن هذه العملية كانت في بعض الأحيان بمبادرة شخصية انتقامية من قبل بعض رجال الأمن. وقد أفاد بلاغ للحكومة كان قد صدر بمناسبة تلك الأحداث يوم 26 يناير 1984 أفاد على أن الأحداث الدموية التي عرفتها الحسيمة قد خلفت أربعة قلتى وأربعة جرحى من بينهم رجل أمن. وأشار الى أن كل الوفيات قد تمت معاينتها من طرف طبيب شرعي وسلمت جثامين القتلى لذويهم. غير أن تقريرا لهيئة الإنصاف والمصالحة جاء بعدما قامت هذه الأخير بتحريات بناء على طلبات ذات علاقة بالأحداث السالفة الذكر. حيث أن التقرير قد تضمن تحديد وفاة 11 شخصا وتمكنت تحريات الهيئة من توطين قبورهم بمقبرة )صاباديا . وقد تم نقل تلك الجثامين ليلا من مستشفى محمد الخامس الى المقبرة بحضور أعوان السلطة ودفنهم في غياب عائلاتهم باستثناء حالتين. كما وقفت الهيئة على عملية إتلاف متعمد لأربع صفحات من سجل استقبال المرضى بمستشفى المدينة ما بين 11 و 17 يناير 1984 وقالت شهادات من عمالة الحسيمة أن العامل في تلك الفترة هو المسؤول عن هذه الخروقات. ويذكر أن الأحداث وما تلتها من أيام عرفت اعتقالات واسعة النطاق شملت مواطنين أبرياء لا يد لهم في ما وقع. ونجمت عنها مضايقات لسكان الحسيمة وحصارا اقتصاديا واجتماعي أنهكها لفترة طويلة جدا. حيث يقول البشير الرامي أستاذ بإحدى ثانويات مدينة الحسيمة كان شاهد عيان على هذه الأحداث. إن الفترة ما بين 1984 و1989 كانت فترة جد حساسة إذ مباشرة بعد وقائع يناير 84 انتاب المخزن سعار الاعتقالات والاعتداءات والمضايقات فلم يدع يوما يمر دون أن يعتقل فيه أو يختطف أحد تلاميذ الثانوية التي كان يدرِّس بها البشير. وقد كان الآباء وخصوصا الأمهات بعد يأسهن من البحث عن أبنائهن يجلسن أمام الثانوية لعل أثر فلدات أكبادهن يظهر من خلال أصدقائهم وزملائهم. ويضيف البشير الرامي على أن مدينة الحسيمة عرفت محاصرة قوية من طرف المخزن وقتئذٍ. وكان نوع هذه المحاصرة يتعلق بإهمالها وصرف المشاريع التنموية عنها واعتقال أبنائها بمجرد الشك في انخراطهم في العمل السياسي أو النقابي أو الجمعوي. مما أدى الى تفشي مجموعة من الظواهر بهذه المدينة كرحيل أبنائها عنها خوفا من الإعتقال واستفحال البطالة والعوز المادي والفقر.. الى غير ذلك من المشاكل الإجتماعية التي خنقت وطوقت وحاصرت أهداب هذه المدينة المناضلة.. كما أن عمليات الإعتقال التعسفي والإختطاف أدت الى التعذيب والإعتداء على كرامة المواطن دون موجب حق وخلق لديه الإحساس بالرهبة وعدم الأمان والثقة في كل شيء له علاقة بممارسة حق من حقوق البشر في شتى المجالات. ويعتبر الناشط الجمعوي عيسى بويزيضن واحد من الضحايا الذين لا يربطهم بما عرفته الحسيمة من أحداث شيء سوى أنه كان فاعلا جمعويا اشتغل في مجال السينما والتفت حوله الجماهير التي اعتقدت عيون الأمن آنذاك أنها تحاول أن تعيد الكرة وتقضم عصا الأمنيين. فاعتقلوه ونكلوا به وأذاقوه من ويلات المخافر الأمنية ما لم يخطر له ببال. يحكي عيسى بويزضن عن هذه المعاناة ويقول )... أنا من مواليد 1959 زاوية سيدي يوسف إقليم الحسيمة، تابعت دراستي الابتدائية والثانوية بمدينة الحسيمة أما دراستي الجامعية فقد تابعتها بكلية العلوم بالرباط licence شعبة الفيزياء النووية في سنة 1984، و في هذه السنة بالذات عينت بمدينة الحسيمة بسلك التعليم ولحسن الحظ أو لسوء الحظ جددنا ناديا سينمائيا فقمت برئاسة المكتب في هذه السنة ونظرا للفراغ الذي كان بعد أحداث 1984، ومحاصرة الهيئات السياسية والجمعوية والنقابية حيث كانت هناك جمعية البعث الثقافي من أنشط الجمعيات تم حظرها، حظى نشاط النادي السينمائي إقبالا كبيرا من طرف تلاميذ ورجال التعليم والموظفين إلى غير ذلك، حيث قمنا بعدة أنشطة ومنها مهرجان الفيلم الفلسطيني . وكانت السلطات قد قامت في سنة 1987 بحملة هوجاء على الحركة التلاميذية حيث تم اعتقال أكثر من 600 تلميذ وتلميذة وأغلبهم أخذوهم من فراشهم بالنوم حيث تعرضوا لشتى أنواع التعذيب والتنكيل بما فيه الكهرباء والشيفون وغير ذلك بمخافر الحسيمة التي تحولت إلى مراكز للتعذيب والانتقام ومكانا للقتل والترهيب، وأنا كذلك اعتقلت في تلك الفترة، أنا الوحيد الذي لم أكن تلميذا حيث كنت رئيسا للنادي السينمائي، فحملوني المسؤولية في الإضرابات التي نشبت آنذاك، وبعد مكوثنا أكثر من 15 يوما في مخفر بالحسيمة مع التعذيب بكل أشكاله وألوانه من كهرباء وفَلَقَة وتعليق إلى غير ذلك. تم إطلاق سراحنا. و في أواخر شهر يوليوز 1987 كذلك أعادوا اعتقالي مع مجموعة من الأصدقاء منهم أحمد بلعيشي وأزاق بلعيد والمحداري جمال، أتو ليلا مع الثانية ونصف ليلا دخلوا من جميع أنحاء المنزل، حيث عندنا بابان و كان الوالدان نائمين، دخلوا عليهما ،،واستفزوهما وبدأوا في تفتيش المنزل. الله أعلم عن ماذا يبحثون، أخذوا يبحثون فلم يجدوا شيئا، اعتقلوني مقيد اليدين معصوب العينين والأم خارت قواها وأخذت تصرخ وتصرخ ولا من يسمع. نهروها و قالوا لها إما أن تسكتي أو - نجروك معاه -، و أخذوني إلى مخفر الشرطة بالحسيمة حيث مكثت هناك يومان معصوب العينين ومقيد اليدين لا ماء ولا أكل حتى اليوم الثاني، جاؤوا عندنا فأزاحوا عن وجهي العصابة وأعطوني لترا من الحليب وطرفا من الخبز وقالوا لي كل، - دارو بيا 10بهم -، وبعد 10 دقائق عصبوا عيني فأخذونا في سيارة للشرطة إلى اتجاه غير معروف حتى وصلوا بنا إلى مدينة الناظور، هناك أنزلونا وهناك بدأت رحلة العذاب الأخرى، من جميع أشكال التعذيب من كهرباء و فلقة وطيارة وperroquet، المهم أنا كنت أعلق 4 ساعات في اليوم وبعض الأوقات صباحا وليلا حتى شلت هذه اليد بقيت 8 أشهر لا أحركها، أما الرجلين و التنفس فحدث ولا حرج، حيث يدوم الشيفون والخنق بالماء أكثر من ساعتين، والكهرباء كذلك حيث الإنسان مكهرب كالخشب، مررنا على هذه المرحلة أنا ورفاقي الذين نالوا هم كذلك نفس التعذيب قرابة شهر، ثم أوقفوا التعذيب وبدأوا في معالجتنا، وفي 15من شتنبر1998 نقلونا إلى مخفر بالحسيمة حيث أقاموا بتغيير الملف في الناظور كانوا يستنطقوننا عن النشاط السياسي والثقافي، و لكن عندما أدخلونا إلى وكيل الملك أول كلمة التي نطق بها، هل تستعملون الشيرة، فاجأتنا هذه الكلمة من استنطاق في اتجاه معين إلى استهلاك الشيرة، قلنا له نحن لا نعرف الشيرة، و لم نسمع عنها، هذه هي الكلمة الأولى الوحيدة التي نطقنا بها وأمرنا بالمرور إلى كاتبه، من هناك أخذونا إلى الاستئناف، الذي لم يقبل الملف، أرجعونا إلى المخفر، ثم في المساء أخذونا إلى المحكمة الابتدائية ومنها إلى السجن وبعد يومين أرجعونا إلى المحكمة الابتدائية حيث مرت المحاكمة، كانت محاكمة صورية، لم نسمع من القاضي سوى ما إسمك؟ هل قمت بهذه الأفعال؟ ثم رفع الجلسة، و بينما نحن ننتظر رجوع القاضي لكي يستمر بالمحاكمة إذا بنا نسمع صوت يقول هيا إلى السجن، و بعد الأخذ والرد عرفنا منه بأن الجلسة قد رفعت، فنقلونا إلى السجن ففي يوم الغد وصلنا الحكم ب 5 سنوات نافذة، و بعد 10 أيام وصلنا خبر بأن الحكم لم ير القبول لدى عموم الجماهير بمدينة الحسيمة وبأن الحكم سيخفف، وفي محكمة الاستئناف كانت الجلسة مغلقة عبرنا فيها عن آرائنا، ثم بعد يوم آخر حكموا علينا بسنتين سجنا نافذة بالاستئناف، ومكثنا هنا في مدينة الحسيمة ثلاثة أشهر في السجن المدني، و بعد إضراب عن الطعام قمنا به تضامنا مع أحد رفاقنا الذي كان معتقلا هناك حيث قاموا بتحليق رأسه وجلده ووضعه في الكاشو كاستفزاز، بعد 15 يوما نقلونا إلى سجن تازة الذي كان فيه الإخوان الذين اعتقلوا سنة 1984 خلال أحداث الناضور ومنهم الأخ بودونت الذي كان معي في ) الشومبرا )كيف ما تيقولوا في chambre كيف ما تيقولوا في الحبس ، في صباح 22 دسمبر 1988 أفاقونا من النوم ألبسونا جلاليب القوات المساعدة فنقلونا إلى سجن تازة في سيارات القوات المساعدة الطويلة، مع شرطي ودركي ومساعد بالقوات المساعدة وحارسين من السجن، حين وصلنا إلى مدينة تازة وجدنا ذلك السجن كالجحيم، سجن لا يتلاقى فيه إنسان مع إنسان، كله حديد لا حركة، القمع على أشده، مكثنا على تلك الحالة 8 أشهر، حيث قمنا بحركة طلابية التي حسنا فيها شيئا ما وضعيتنا داخل السجن كالزيارة والمأكل، وبعد خروجنا من السجن ورغبة منا لإثبات أن القمع لا يرهبنا استمرينا في العمل الجمعوي والحقوقي.. وختاما... الذي أريد أن أقوله هو أن هذه المنطقة شهدت عدة تجاوزات وشطط في استعمال السلطة كتجربتنا نحن التي رأينا فيها ويلات كثيرة في مخافر الحسيمة والناظور وبالسجون و فيما يتعلق بنا كأشخاص وبعائلتنا القريبة والبعيدة تفاصيل قصة عيسى بويزضن ورفاقه الذين اعتقلوا إلى جانبه هي من بين الحكايا التي لفتت انتباه المهتمين بالخروقات الجسيمة في مجال حقوق الإنسان بالحسيمة وهي كذلك نافذة أطللنا من خلالها على أشكال التعذيب وتفاصيل الترهيب التي استهدفت المجتمع الريفي وسكان الحسيمة على وجه التحديد . إنها سعرة الجلاد التي حصدت القاصر والراشد.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire