الدار البيضاء كانت عاصمة في القمع أيضا
الحاجة الشعيبية الحداوية أ م محمد البارودي الحداوي تحكي بمرارة
طاردوا ابني في الشوارع بالرصاص
عادل تشيكيطو
الدار البيضاء نبض المغرب وإشراقه..رغم القهر والظلم وسفك الدماء رغم الكدمات والجروح ودموع الأبرياء رغم الإختطافات والاعتقالات والتعذيب والترهيب وتشريد أبناء هذه المدينة المقاومة ...فإن الدار البيضاء تظل شامخة شموخ بناياتها العصرية تتحدى القهر، ولسان حال أبطالها يقول لزبانية سنوات الرصاص القمع لايرهبنا والقتل لا يفنينا حبنا للوطن وأملنا في الحرية ينمي حب الحياة فينا ...
تعرضت الدارالبيضاء منذ الإستقلال لأشكال متعددة من القمع والقهر تمثلت في حملات القتل التي قامت بها السلطات القمعية والإعتقالات التعسفية التي شملت العديد من المواطنين الأبرياء . كما أن اليد الآثمة لم تدع بيتا من بيوت الدارالبيضاء كانت قد حفته السكينة إلا وأفجعت راحته بقتل أحد أفراده أو اعتقاله أو اختطفاه ومحاصرة بيته والتضييق على أفراد الأسرة وملاحقتهم في كل كبيرة وصغيرة. فقد عاشت البيضاء حالة من الحرمان والاضطهاد والقهر التعسفي والتضييق على الأسر وقمع الحرية والتي تكون متبوعة في العديد من الحالات بحرمان أبناء الدار البيضاء من الحق في الحياة وذلك إما بسبب التجاوز في استعمال السلطة أو الاستعمال غير المناسب أو المفرط للقوة من قبل السلطات العمومية أثناء مواجهة كل الأحداث الاجتماعية التي تعرضت لها الدارالبيضاء، أو نتيجة التعرض للتعذيب وسوء المعاملة أو خلال مواجهات مسلحة. ومما يزيد من هذا اللبس توفر بعض العناصر المكونة للاختفاء القسري والإعتقال التعسفي ورفض الكشف عن مصير الأشخاص المحرومين من حريتهم، بل إنه في حالات متعددة عندما كانت الأسر تذهب لتسأل عن ذويها فإنها تواجه بقمع ممنهج قصد تخويف المجتمع وبث الرعب لدى عموم المواطنين من خلال أخذ العبرة بتلك الأسر التي تتعرض لهذه الوصفات القمعية. بل إن من حالات الإعتقال والاختطاف والتعذيب مست في مرات متعددة ضحايا لم تكن لهم علاقة مباشرة بأي نشاط سياسي أو جمعوي أو نقابي. وغالبا ما تمت هذه الحالات في ظروف غامضة؟ وقد تحرت هيئة الإنصاف والمصالحة من خلال تحليلها لحالات الاختفاء القسري موضوع اختصاصها واستنتجت على أن هذا الفعل تم ارتكابه في حق أشخاص معزولين بصفة عامة، بعدما تم اختطافهم من محلات سكناهم أو في ظروف غير محددة. وتم احتجازهم في أماكن غير نظامية. كما أننا قد تطرقنا في الحلقة الأولى من سلسلة رحلة سنوات الرصاص كيف أن عبدالله أكريم تم اعتقاله وهو في طريقه مساء من محل عمله بأحد أفرنة الدارالبيضاء الى منزله وطلب منه بطاقته الوطنية التي لم تكن بحوزته فتم اعتقاله والزج به في مصير مجهول حيث اختطف هو وعشرون من المعتقلين الى جحيم أكدَز الرهيب. ولم تكن الدارالبيضاء مركزا لمواجهة مواطنين منها واعتقالهم وقتل البعض منهم فقط بل إن في أحيائها ضمت مجموعة من المعتقلات ومراكز التعذيب الرهيبة كدرب مولاي الشريف والكوربيس وكوميسارية المعاريف والمقاطعة 46 الى غير ذلك من معتقلات العار والتي ضمت مواطنين من الدارالبيضاء ومن مدن أخرى مغربية. ومن الممارسات الشنيعة التي استهدفت أبناء الدارالبيضاء عمليات النفي سواء منها الداخلية أو الخارجية المباشرة أو غير المباشرة. إذ كانت أجهزة القمع تلجأ الى ترحيل مجموعة من المواطنين الى مدن جد بعيدة إما في أقصى جنوب المغرب أو أقصى شماله ويمنع على المنفي مغادرة المدن التي رحل إليها إلا بإذن من السلطات بتلك المدينة. وفي حالات أخرى كان يضطر المضطهدون الى تغيير محل إقامتهم بالدارالبيضاء الى مدن أخرى للهروب من القمع والمضايقة التي يتعرضون لها يوميا من قبل الأمن. أما في حالات أخرى فإن المنفيين عندما كانوا يضطرون الى مغادرة التراب الوطني إما من طرف السلطة التي تقوم بترحيلهم الى دول يتعامل معها في هذا الإطار ويمنعونه من دخوله الوطن، كما تمارس عليهم مراقبة مشددة من طرف أمن تلك الدولة نظرا لأن السلطات المغربية تقوم برفع تقرير الى سلطات الدولة المستقبلة عن الشخص المنفي. ويقوم أحد المواطنين بالهرب عبر الحدود أو في حالة تخفي الى دول أخرى من أجل طلب اللجوء السياسي إن كانت له إمكانية فعل ذلك. فإنه يضطر إلى الإختفاء داخل أقنعة تنكر من أجل تفادي ملاحقات المخابرات المغربية التي كانت تقوم باختطافات من داخل الدولة الآوية كما وقع للمهدي بنبركة بفرنسا أو للمانوزي الذي تقول بعض الروايات أنه اختطف من الجزائر. هؤلاء المغاربة المغتربون قسرا في بلدان ضاقت بهم في أحيان متعددة. حيث يعيش هؤلاء رغم هروبهم من دائرة الخطر حالة من الذعر اليومي وعدم الإستقرار النفسي والإجتماعي ناهيك عن معاناة الإغتراب التي يقاسونها في حياتهم اليومية.
المناضل محمد البارودي الحداوي
الجرح الغائر في قلب أمه
تعرضت الدارالبيضاء منذ الإستقلال لأشكال متعددة من القمع والقهر تمثلت في حملات القتل التي قامت بها السلطات القمعية والإعتقالات التعسفية التي شملت العديد من المواطنين الأبرياء . كما أن اليد الآثمة لم تدع بيتا من بيوت الدارالبيضاء كانت قد حفته السكينة إلا وأفجعت راحته بقتل أحد أفراده أو اعتقاله أو اختطفاه ومحاصرة بيته والتضييق على أفراد الأسرة وملاحقتهم في كل كبيرة وصغيرة. فقد عاشت البيضاء حالة من الحرمان والاضطهاد والقهر التعسفي والتضييق على الأسر وقمع الحرية والتي تكون متبوعة في العديد من الحالات بحرمان أبناء الدار البيضاء من الحق في الحياة وذلك إما بسبب التجاوز في استعمال السلطة أو الاستعمال غير المناسب أو المفرط للقوة من قبل السلطات العمومية أثناء مواجهة كل الأحداث الاجتماعية التي تعرضت لها الدارالبيضاء، أو نتيجة التعرض للتعذيب وسوء المعاملة أو خلال مواجهات مسلحة. ومما يزيد من هذا اللبس توفر بعض العناصر المكونة للاختفاء القسري والإعتقال التعسفي ورفض الكشف عن مصير الأشخاص المحرومين من حريتهم، بل إنه في حالات متعددة عندما كانت الأسر تذهب لتسأل عن ذويها فإنها تواجه بقمع ممنهج قصد تخويف المجتمع وبث الرعب لدى عموم المواطنين من خلال أخذ العبرة بتلك الأسر التي تتعرض لهذه الوصفات القمعية. بل إن من حالات الإعتقال والاختطاف والتعذيب مست في مرات متعددة ضحايا لم تكن لهم علاقة مباشرة بأي نشاط سياسي أو جمعوي أو نقابي. وغالبا ما تمت هذه الحالات في ظروف غامضة؟ وقد تحرت هيئة الإنصاف والمصالحة من خلال تحليلها لحالات الاختفاء القسري موضوع اختصاصها واستنتجت على أن هذا الفعل تم ارتكابه في حق أشخاص معزولين بصفة عامة، بعدما تم اختطافهم من محلات سكناهم أو في ظروف غير محددة. وتم احتجازهم في أماكن غير نظامية. كما أننا قد تطرقنا في الحلقة الأولى من سلسلة رحلة سنوات الرصاص كيف أن عبدالله أكريم تم اعتقاله وهو في طريقه مساء من محل عمله بأحد أفرنة الدارالبيضاء الى منزله وطلب منه بطاقته الوطنية التي لم تكن بحوزته فتم اعتقاله والزج به في مصير مجهول حيث اختطف هو وعشرون من المعتقلين الى جحيم أكدَز الرهيب. ولم تكن الدارالبيضاء مركزا لمواجهة مواطنين منها واعتقالهم وقتل البعض منهم فقط بل إن في أحيائها ضمت مجموعة من المعتقلات ومراكز التعذيب الرهيبة كدرب مولاي الشريف والكوربيس وكوميسارية المعاريف والمقاطعة 46 الى غير ذلك من معتقلات العار والتي ضمت مواطنين من الدارالبيضاء ومن مدن أخرى مغربية. ومن الممارسات الشنيعة التي استهدفت أبناء الدارالبيضاء عمليات النفي سواء منها الداخلية أو الخارجية المباشرة أو غير المباشرة. إذ كانت أجهزة القمع تلجأ الى ترحيل مجموعة من المواطنين الى مدن جد بعيدة إما في أقصى جنوب المغرب أو أقصى شماله ويمنع على المنفي مغادرة المدن التي رحل إليها إلا بإذن من السلطات بتلك المدينة. وفي حالات أخرى كان يضطر المضطهدون الى تغيير محل إقامتهم بالدارالبيضاء الى مدن أخرى للهروب من القمع والمضايقة التي يتعرضون لها يوميا من قبل الأمن. أما في حالات أخرى فإن المنفيين عندما كانوا يضطرون الى مغادرة التراب الوطني إما من طرف السلطة التي تقوم بترحيلهم الى دول يتعامل معها في هذا الإطار ويمنعونه من دخوله الوطن، كما تمارس عليهم مراقبة مشددة من طرف أمن تلك الدولة نظرا لأن السلطات المغربية تقوم برفع تقرير الى سلطات الدولة المستقبلة عن الشخص المنفي. ويقوم أحد المواطنين بالهرب عبر الحدود أو في حالة تخفي الى دول أخرى من أجل طلب اللجوء السياسي إن كانت له إمكانية فعل ذلك. فإنه يضطر إلى الإختفاء داخل أقنعة تنكر من أجل تفادي ملاحقات المخابرات المغربية التي كانت تقوم باختطافات من داخل الدولة الآوية كما وقع للمهدي بنبركة بفرنسا أو للمانوزي الذي تقول بعض الروايات أنه اختطف من الجزائر. هؤلاء المغاربة المغتربون قسرا في بلدان ضاقت بهم في أحيان متعددة. حيث يعيش هؤلاء رغم هروبهم من دائرة الخطر حالة من الذعر اليومي وعدم الإستقرار النفسي والإجتماعي ناهيك عن معاناة الإغتراب التي يقاسونها في حياتهم اليومية.
المناضل محمد البارودي الحداوي
الجرح الغائر في قلب أمه
ومن بين أولئك الذين يشهد لهم تاريخ المعاناة بمكابدتهم لأوجاع النفي والإغتراب ومواجهة كل أشكال القمع والإنتهاكات الجسيمة في مجال حقوق الإنسان نجد المرحوم محمد البارودي الحداوي أحد رموز الحركة الحقوقية والسياسية في فترة الستينيات بالمغرب والذي وافته المنية ببروكسيل في 21 ينويو 2007. ويعتبر محمد البارودي من بين المناضلين الذين تمت محاصرتهم ومحاولة تصفيتهم سنة 1962 بالدارالبيضاء وهو من مواليد سنة 1934 ويعتبر من الطلاب الذين شرفوا بلادهم في دمشق في بداية الخمسينيات خلال دراسته الثانوية بها وعاد الى المغرب ليشتغل كمحرر بجريدة التحرير آنذاك ثم سافر الى يوغسلافيا لدراسة تجربة التسيير الذاتي، ليعود الى المغرب مجددا من أجل أن يدرس التجربة في مختلف مناطق المغرب. الى أن تمت ملاحقته من طرف أجهزة أوفقير التي أوكل لها قمع واعتقال المناضلين النشطين داخل التنظيمات السياسية، ويرحل هربا الى باريس ولم يعد الى المغرب إلى أن وافته المنية ببلجيكا. وللتعرف أكثر على حياة هذا المناضل انتقلنا الى مديونة ودخلنا زوارا على أمه الحاجة الشعيبية بنت وعدود البالغة من العمر 96 سنة، وبحرقة الاشتياق الى إبن أخذته منها، دقائق الزمن البائد من سنوات الرصاص حكت لنا عنه وقد امتزج في صوتها لحن الفخر بابن دافع عن الحرية والديمقراطية وحق الناس الى أن لفظ أنفاسه الأخيرة، وحرقة الإشتياق لفلذة كبدها البكر الذي غاب عنها ولم يعد. تحكي الحاجة الشعيبية بألم وهي تقول )ليس غريبا أن يكون أحد أبنائي من بين المناضلين المدافعين عن حقوق الناس. فهو سليل عائلة مناضلة وقفت في وجه الظلم والاستعمار. فنحن من قبيلة الهراويين كانت لنا أراضٍ شاسعة للرعي والفلاحة تدعى بلاد قانية طردنا منها المستعمر بالقوة وواجهه أبناء العائلة غير أن يد الظلم كانت أقوى حيث رحلنا ولم نتمكن من استرجاع أرضنا لحد الآن. فاستقرينا قرب مديونة بأولاد مجاطية. تزوجني الحاج الميلودي البارودي وأنا في سن 16 ولدت عشرة أبناء كان أكبرهم محمد البارودي سنة 1934. كان جديا ومثابرا تابع دروسه بالمدينة القديمة بالدارالبيضاء وذهب الى سوريا ثم الى فرنسا ويوغوسلافيا من أجل الدراسة ثم رجع الى المغرب ليعمل بجريدة التحرير وهو منخرط بأحد الأحزاب. من ثم بدأت مضايقته ومحاولة تصفيته في العديد من المرات أتذكر منها يوما أنه كان في طريقه صباحا الى مقر الجريدة التي يعمل بها، وإذا بدراجته النارية تتعطل فتأخر عن عمله لإصلاحها. وعندما وصل إلى مقر عمله، إذا به يفاجئ بأن مكتبه تعرض لعملية تفجير. حجبه عن الموت بها لطف الله ورضاه الوالدين. وما يؤكد استهدافه من طرف المخزن هو أنه في أحد الأيام وهو في وسط المدينة يمشي مع أخوه وإذا بستة رجال بلباس مدني يطاردونه. هرب أخوه في اتجاه وهو في اتجاه آخر وسمع أخوه طلقات الرصاص، ظن أن محمد قد قضي عليه، إلاأنه بعد ذلك التحق به في شقته وطلب منه أن يذهب نحو مكتبه ومنزله ويجمع أغراضه ويحتفظ بها. وأخبره أنه مسافر. غادر بعد ذلك نحو فرنسا، وقد انكب في الوهلة الأولى على متابعة دراسته، فكان أبوه الحاج الميلودي يرسل إليه شهريا نقودا من أجل إتمام دراسته. غيرأن أخباره انقطعت بعدما تم اختطاف بنبركة وتعرض لمضايقات بفرنسا فهرب مجددا وكانت وجهته هذه المرة هي الجزائر، وخلال انتهاء فترة بنبلة وتولي بومدين رئاسة الجزائر والذي قام برفض المغاربة اضطر محمد الى مغادرتها متجها هذه المرة نحو بلجيكا. هناك استقر في )شانجوزي سنة 1966 واشتغل هناك كأستاذ لمادة الرياضيات وبعد تلك الفترة بدأت بين الفينة والأخرى تصلنا عنه أخبار متواترة غير أننا كنا نتكتم عنها حتى لاتتم ملاحقته من جديد. انخرط ابني محمد في العمل لأجل مصلحة المهاجرين ببلجيكا وأوربا عموما وكنت أفتخر لكونه يخدم الناس ويعمل لصالح المغاربة المغتربين في أرض المهجر. كان كأبيه الحاج الميلودي يعملان لصالح العموم ومستعدان للتضحية في سبيل الوطن فقد كان بيتنا مقرا لاجتماعات زعماء الحركة الوطنية كعبدالله إبراهيم وعلال الفاسي رحمهما الله. وقدم زوجي أرضا لبناء مجموعة مدارس وطلب مني أن أفعل ذلك لبناء مسجد. وكذلك كانت روح محمد ولدي الذي كنت أصارع الآلام والأحزان وأتشبث بالحياة كي يكتب لي رؤيته، لكن القدر أخذه مني دون أن أراه، وتلك مشيئة الله... تقليدي على اللي كان السبب .. . بهذه العبارات المحزنة ختمت الحاجة الشعيبية كلمتها وقد قهرها المرض والحزن وحرقة الإنتظار انتظار ابن كتب له أن يقضي أكثر من أربعين سنة في أرض الغربة ممنوعا من دخول بلده واستنشاق هوائه والنظر في أفق سمائه
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire