الدار البيضاء كانت عاصمة في القمع أيضا
حينما صدرت أوامر مشددة تقول لاتتركوا أحدا يمشي على ساقيه
إعداد عادل تشيكيطو
الدار البيضاء نبض المغرب وإشراقه..رغم القهر والظلم وسفك الدماء رغم الكدمات والجروح ودموع الأبرياء رغم الإختطافات والاعتقالات والتعذيب والترهيب وتشريد أبناء هذه المدينة المقاومة ...فإن الدار البيضاء تظل شامخة شموخ بناياتها العصرية تتحدى القهر، ولسان حال أبطالها يقول لزبانية سنوات الرصاص القمع لا يرهبنا والقتل لا يفنينا حبنا للوطن وأملنا في الحرية ينمي حب الحياة فينا ...
تشكل مدينة الدار البيضاء كازا بلانكا بدون شك إحدى أندر المدن المغربية التي استفادت بشكل كبير، منذ بداية القرن
العشرين من اهتمام خاص من طرف المسؤولين سواء على مستوى الإدارة الترابية أو على مستوى تنظيم مجالها. وقد ارتبط هذا الاهتمام بمتطلبات النمو السريع للمدينة وما يرافقه من تطور على الصعيد الاجتماعي. وتبقى حاضرة الدار البيضاء الوحيدة من بين مدن المغرب العربي التي لا تجمع بين الوظيفتين السياسية والاقتصادية. وهو ما يمكن اعتباره حظا بالنسبة لها يعفيها من أن تكون مهيمنة على المستوى الوطني اقتصاديا وسياسيا. وتعتبر الدار البيضاء مركز نشاطات جد متنوعة تجعل منها الحاضرة الاقتصادية الأم على مستوى المغرب العربي نظرا لمعدل الوظائف التي تخلقها خاصة على مستوى قطاع خدمات الأعمال. بلغ عدد سكان ولاية الدار البيضاء الكبرى 3,631,061 نسمة في الإحصاء المغربي الرسمي لعام 2004 بحيث يشكل سكانها نسبة 12,15% من إجمالي سكان المغرب . وقد قدمت هذه المدينة من النضالات والتضحيات في مواجهة الإستعمار . ما يشهد لها التاريخ بذلك ، إذ كانت الدار البيضاء من بين المدن المغربية الكبرى التي شكلت النواة الأولى للحركة الوطنية وكذلك للمقاومة التي عملت وضحت بالغالي والنفيس من أجل دحض الاستعمار ولعل قائمة الشهداء والمقاومين الذين يزينون قائمة الوطنين المنتمين إليها لخير دليل على ما قدمته هذه المدينة المناضلة من تضحيات . .
كما عرفت المدينة في فترات الاضطراب التي تلت استقلال المغرب اختطاف المئات من المغاربة، من بينهم معارضون سياسيون بارزون، اختطفوا خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، في أوج الصراع بين المعارضة و النظام المغربي .واختفى المئات من المعارضين السياسيين في اضطرابات سياسية واجتماعية بدأت على الخصوص خلال ما عرف بـ انتفاضة الريف ) بشمال المغرب سنة 1958، ثم في انتفاضة العام الموالي.
بعد ذلك، تلتها اضطرابات كانت أهمها تلك التي حدثت في مدينة الدار البيضاء سنة 1963، ثم الاضطرابات الخطيرة لسنة 1965، وماتخللتها من أحداث كاختطاف المهدي بن بركة بأحد شوارع باريس في فرنسا، إذ ما زالت قضية اختطافه ومقتله غامضة. وبعد حوالي خمس سنوات من الهدوء النسبي والحذر، والذي يسبق العاصفة عاد المغرب إلى أجواء القلق بعد المحاولتين الإنقلابيتين لسنة 1971 و 1972 ، وقد أثرت هذه العمليات بشكل كبير على الجو العام بالمغرب وعلى الدار البيضاء باعتبارها القلب النابض للمغرب والذي يتحرك بحركيتها ويهدء بهدوئها ، الشئ الذي حدث أثناء إضرابات 1981 و1984 التي انطلقت لتعم كل المدن القابعة تحت وطأة الفقر والبؤس وسوء المصير . خصوصا بعدما مست القرارات السياسية أمن وعيش المواطن البسيط . بالرجوع الى أبرز الأحداث التي عرفتها الدارالبيضاء وأكثرها ضراوة أحداث سنة 1965 حيث شهدت هذه الأحداث مواجهة عنيفة بين المتظاهرين من أبناء البيضاء وقوات الأمن التي كان يدير عملياتها الجيش وعلى رأسه الجنرال أوفقير الذي تقول شهادات أن تدخله في أحداث 1965 كان مباشرا وأنه هو من شدد على أن يكون تدخل الجيش بالسلاح والرصاص حتى تكون مجزرة الدارالبيضاء عبرة لكل من سولت له نفسه التظاهر والمطالبة بأبسط الحقوق. وبالفعل فإن مذبحة الدارالبيضاء خلفت ضحايا كثر رصدت هيئة الإنصاف والمصالحة بشاعة ماتعرضوا له. فقد جاء في بلاغ صدر عن وزارة الأنباء والسياحة والفنون والصناعة التقليدية أن الأحداث خلفت سبعة قتلى من المواطنين تتراوح أعمارهم مابين 30 و 60 سنة بينما جرح 45 شرطيا و 24 من القوات المساعدة وتضررت سيارات للشرطة وأضرمت النار في دراجات نارية وسيارة تابعة لمفتشية الشرطة وألقي القبض على 168 شخصا أحيلوا فورا على المحاكم. غير أن البحث الذي أجرته هيئة الإنصاف والمصالحة بخصوص هذه الأحداث وبالإعتماد على السجل الخاص بمصلحة حفظ الأموات الموجود أنذاك بعين الشق بالدارالبيضاء، فإن عدد المتوفين وصل الى عدد 31 متوفى بالرصاص. ومن خلال اطلاعها على المعلومات المتضمنة بسجلات المستعجلات والإستقبال بمستشفى ابن رشد تبين للهيئة وجود ملاحظة تشير إلى حدوث وفيات أعقبت دخول عدد من الجرحى إلى المستشفى ويبلغ عدد الوفيات تسع حالات. ومكن الإطلاع على المعلومات المتوفرة بسجل الدفن بمقبرة الشهداء بالدارالبيضاء على وجود خمسين حالة وفاة. وتمكنت الهيئة من خلال تحريها وبحثها في هذه السجلات من التعرف على هوية 28 منهم وقد بدأت عملية التسجيل في المستشفيات انطلاقا من يوم المواجهة 23 مارس 1965 إلى غاية 25 منه وكان من ضحايا هذه المواجهة عدد كبير من الأطفال ومن بينهم طفلة لايتجاوز عمرها أربع سنوات. بما يبين وحشية هذه التدخلات. وفي 28 ماي 1981 عندما أقدمت الحكومة على الزيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية نشبت أحداث يونيو من نفس السنة ودعت النقابات أنذاك إلى التعبئة الشاملة من أجل حمل المسؤولين على التراجع عن الزيادات المذكورة وقد استجابت الحكومة جزئيا لتلك الزيادات بنسبة 50 مالم تقبله تلك النقابات ودعت إلى خوض إضراب عام لمدة 24 يوما انطلاقا من 15 يونيو واستمر بعد 18 يونيو مما أدى الى اندلاع مظاهرات بالحي المحمدي مساء نفس اليوم نددت بالحكومة وبقراراتها، وهو ما جعل السلطات تقوم بسلسلة اعتقالات في صفوف المواطنين واعتداءات من طرف رجال الأمن كان أبرزها التدخل العنيف الذي لاقاه عمال النقل الحضري بدرب غلف بعدما أمرتهم السلطات بعدم التوقف عن العمل ولم ينصاعوا لقرارها. فكان أن تدخلت بعنف لإجبارهم على العمل في 20 يونيو 1981. وأمام تنامي موجة إقفال الدكاكين والمتاجر ورغم التواجد المكثف لقوة الأمن استمر إضراب التجار والحرفيين في أهم المراكز التجارية بالدارالبيضاء أنذاك كدرب عمر وسباتة وابن مسيك والقريعة وغيرها. وعرف الإضراب نسبة عالية من المشاركة في قطاعات النقل الحضري والبلديات والبريد والسكك الحديدية. وفي إحدى صباحات يونيو أجبر متظاهرون حافلة على التوقف، الشيء الذي جعل قوات الأمن تتدخل بقوة وفي نفس الوقت أخذت هذه القوات موقعها في الشوارع المؤدية الى ساحة السراغنة وتم تطويق شارع الفداء وطريق مديونة ودرب الكبير من طرف أزيد من ألف شخص وأقفلت جميع المقاهي، وبدأت قوات الأمن تجوب الشوارع والأزقة تطارد المارة وتعتقل من وجدته في طريقها. وشوهدت مرواحيات تقوم بالعملية في فضاء المدينة. وحوالي الساعة الثانية بعد الزوال من 20 يونيو 1981 أعطيت التعليمات للمستشفيات وكذا لسيارات الإسعاف من أجل التعبئة القصوى حيث تصاعد استفحال الرصاص إلى درجة استهدف كل المارة صغيرا وكبيراً. وحسب بلاغ صادر عن وزارة الداخلية فإن الأحداث خلفت ستة وستون قتيلا ونهبت محطات بنزين وصيدليات ومصنعين وعمارتين ومكاتب بنكية و54 سيارة و43 حافلة نقل عمومية. ومن خلال شهادة المحافظ السابق الذي أوكلت له مهمة ملحقة حفظ الأموات بالبيضاء أمام لجنة تابعة لهيئة الإنصاف والمصالحة فإن عدد المتوفين في تلك الأحداث بلغ حوالي سبعون، من بينهم أطفال ونساء ورجال. وحسب مصادر فإن السلطات كلفت رجال الوقاية المدنية بأخذ الجثت من مصلحة حفظ الأموات سواء منها المكفنة أو الغير مكفنة إلى مكان غير معروف في ساعة متأخرة من الليل. ويذكر أن الوفيات لم تكن فقط نتيجة للقمع بالرصاص بل إن السلطات قامت باعتقال أكبر عدد من المواطنين كما وقع بحي البرنوصي حيث تم حجز عدد كبير من المعتقلين بالمقاطعة 46 التابعة إلى تراب حي البرنوصي وكانت الزنزانة التي ضمت هؤلاء المحتجزين تستعمل من طرف القوات المساعدة وتبلغ مساحتها 18 متر مربع وأربعة أمتار طولا وعرضا وهو ما أدى إلى اختناق هؤلاء المحتجزين وموت العديد منهم خصوصا الأطفال وقد وصل عدد المعتقلين إلى 153 معتقلا. ونظرا لشدة الحرارة فقد بدأت حالات الإغماء والاختناق وارتفعت الأصوات من داخل الزنزانة مطالبة بالماء دون أن تجد من يروي عطشها. وبالنظر إلى الأحداث وإلى ما تخللته من جرائم إنسانية وانتهاكات فاقت الجسامة في مجال حقوق الإنسان، وبالتمعن الشديد في عمليات الترهيب والقتل العمد وعدم تقديم المساعدة للجرحى يتضح جليا للقارئ في صفحات هذا الزمن المظلم أن الذين أعطوا الأوامر بقتل الناس وردعهم بالرصاص هم شخوص أقل ما يمكن أن نقوم به في شأنهم هو أن نتنكر لانتمائهم إلى هذا الوطن الذي صنع من أيام تاريخه بطولات المجد والسلام وحماية الرعاة لرعاياهم. فما معنى أن يعطي جنرالات أوامرهم بعدم تقديم المساعدة للجرحى؟ وبإطلاق الرصاص في وجه كل من صودف في الشارع. فقد أكدت شهادات أن السلطات قامت بإطلاق النار بالذخيرة الحية منذ الوهلة الأولى ولم تلجأ إلى استعمال الرصاص المطاطي الذي من شأنه أن يخفظ ولو بشكل نسبي من عدد الضحايا. كما أن هؤلاء الجزارين أحجموا في مرات متعددة على تقديم العون والمساعدة لمواطنين مصابين بما في ذلك أطفال توفوا نتيجة إطلاق الرصاص المصوب عمداً نحو المنازل. فقد كان يُستهدف بالرصاص كل بيت ترك نوافذه مفتوحة فيتم إصابة أشخاص لا علاقة لهم بالأحداث. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة من الاستنفار المفرط لقوات الأمن عرفت إقصاء رجال الشرطة من مهمة حفظ الأمن وأوكلت العملية إلى ثكنة الدرك الملكي بعين حرودة والجيش وهو ما جعل التدخلات أكثر وحشية. خصوصا بعد تلقي أوامر جد مشددة بعدم ترك أحد يمشي على رجليه بالدار البيضاء على حد قول أحد الشهود. ولم تكن الدار البيضاء مستهدفة أثناء أحداث يونيو81 بل حتى في دجنبر ويناير من سنة 1984. حيث شهدت المدينة نفس العمليات القمعية.
يقول بشعيب بنبارك تاجر بدرب عمر شاهد على هذه الأحداث " لقد عشت أحداث الاستعمار ومواجهة المقاومة المغربية له وقد كنت طفلا أنذاك. وكنا نحن في الدرب نسمي بعضنا بأسماء الأبطال الذين استشهدوا أو مازالوا يقاومون الاستعمار الفرنسي وشاهدت ما من مرة العمليات الفدائية التي قام بها الوطنيون بالدار البيضاء وشاهدت بعض من المواجهات المسلحة التي دارت بين المقاومين والمستعمر، غير أني تمنيت لو متُّ ولم تبصر عيني أبناء جلدتي يرسلون رصاصاتهم بنشوة نحو أبدان أبناء وطنهم تحت ذريعة حفظ الأمن العام فقد رأيت بأم عيني كيف أزهقت أرواح الأبرياء دون موجب حق لا لشيء سوى لأن البعض من أبناء البيضاء عبروا عن مواقفهم اتجاه قرارات الحكومة القاضية برفع الأسعار على حساب المواطنين... ورغم أن الشعارات التي نراها بالتلفاز والجرائد ونسمع عنها في الأماكن الرسمية تقول أننا في زمن المصالحة غير أني لا أرى مصالحة بدون اعتذار هؤلاء الذين حملوا السلاح في وجوهنا عمداً تحت ذريعة حفظ الأمن العام.. والحقيقة أنهم هم من زعزعوا الأمن العام وسكينة هذا البلد... .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire