أكدز الـمدينة الـمعروفة بتمورها وحنائها
معتقلها الشهير كان قصرا من قصور الكلاوي الذي احتضن حياة البذخ وتحول إلى مزبلة
بشرية
إعداد : عادل تشيكيطو
أكدز اسم مدينة اختزنت بين ثناياها أسرار وأرواح يكاد نور طهارتها أن يوهج عتمة ليلها الحزين. ففي أكدز تلتقي قوافل الشوق وتستحضر في ذاكرتها أسماء رجالات الظُّلمة الذين أخذت المنايا أرواحهم رحمة بهم... وفي أكدز يصر المغربون في أقبيتها الخانقة على الإرتشاف من ماء الحياة الجائرة دون أن يُضنيهم في ذلك كربلاج الجلادين. فلا حياة لمن سحبته الآلة القمعية إلى ما وراء جدار الموت معتقل أكدز ، لا راحة تسمو فوق جلودهم الثائرة. فبين أكدز الحزينة وأرواح المتوجين فيها بالشهادة مسافة ألف حكاية ورواية.
مدينة أكدز الواقعة عند بداية واحة درعة تبعد عن مدينة ورزازات بـ69 كيلومتراً في الشرق الجنوبي للمغرب عرفت هذه المنطقة بتمورها وحنائها وبطبيعتها الصحراوية الجذابة. وهي محسوبة ترابيا على إقليم ورزازات جهة سوس ماسة درعة. تعد من بين المدن المغربية التي تستقطب إليها السياح الأجانب الراغبين في اكتشاف معالم الحياة الصحراوية كما أن إسم هذه المدينة لم يكن لتتسنى له فرصة التداول بين المغاربة لولا ارتباطه بأحد المعتقلات غير النظامية الذي ابتلع في أحشائه قائمة طويلة من الأسماء التي ظلت منسية إلى أن تم الكشف عنها بعدما نوت الدولة طي صفحات سنوات الجمر. فمعتقل أكدز هو قلعة أو قصر من القصور التي بناها الباشا الكلاوي وكان هذا القصر أول ما بني في أكدز ثم بعدها استقرت حاشية الباشا وبعض القبائل الصحراوية الرحل في جنباته لتكوّن بذلك مجتمع أكدز البريئة حسب ما أفادنا به أحد سكان المنطقة . فبجوار هذا المعتقل ترى الرؤوس والعيون لا تقوى على إمعان نظرها في حيطانها وأبراجها وبابه العملاق الذي جعل الغرابة عنوان له. وغير بعيد عن معتقل أكدز السري أو سجن الحد كما يسميه سكان المنطقة تناثرت وفود عديدة ولمت في أعماقها هياكل أناس شهدوا وعاشوا وحشة الجحيم الذي ابتلع حريتهم لزمن طويل ثم رمى بهم في فيافي أكدز. مقبرة أكدز الجماعية ضمت ما يفوق الثلاثين قبرا، وضعت عليها أسماء لأناس قيل أنهم لقوا حتفهم بهذا السجن. ويعتبر السجن غير النظامي كما اصطلح عليه من طرف هيئة الإنصاف والمصالحة أحد المعتقلات التي شهدت على أشكال عديدة من الانتهاكات الجسيمة في مجال حقوق الإنسان إذ ضم معتقل الحد أكدز العديد من الأسماء التي تم اختطافها قسريا واعتقالها وتنفيذ حكم الإعدام عليها دون محاكمة حسب شهادة بعض الناجين. حيث تقول تقارير حقوقية أن الجلادين قتلوا 27 ضحية من أبناء المنطقة الجنوبية وخمسة آخرين من حركة 3 مارس 1973. كما أن معتقل أكدز كان محطة من المحطات التي أرسى الجلادون بها قافلتهم الطاغية ليُودِعوا فيها مجموعة بنو هاشم وهم خمسة تلاميذ جربوا رحلة العذاب بين مخالب الوحوش المستبدة. وكان كذلك من بين ضحايا معتقل أكدز مواطنون لا علاقة لهم بالسياسة اصطيدوا بالصدفة وتم إجبارهم على توقيع محاضر تحتوي على اعترافات لا علاقة لهم بها. وتم نقلهم من فاس والرباط ومراكش والدار البيضاء... إلى معتقل أكدز دون محاكمة ومنهم من قضى نحبه ومنهم من كتب له القدر ميلادا جديدا لكن بدون طعم الحياة مادامت الذاكرة لم تمح من أليافها عذابات القهر وأصوات الأرواح المعذبة بلهيب أكدز. فأحد المعتقلين الناجين يحكي ويبكي من فرط ما شاهده من قتل وظلم وعذاب، يحكي كيف نجا من الموت بأعجوبة بعدما تمت محاولة تصفيته عندما ضربه أحد الجلادين على مستوى رأسه بمعول فقد على إثرها بصره وترك في وجهه تشوها عميقا ظل شاهدا على لاإنسانية الجلاد المستبذ الذي كان يتلذذ بقتل وتعذيب الأبرياء.
بنقاسم وازان
كما يروي تقرير في سياق تحريات هيئة الإنصاف والمصالحة بعد انتقالها إلى عين المكان عدة مرات عن طريق زيارة ومعاينة مراكز الاعتقال ومن بينها أكدز، أن الضحايا الذين قضوا بمعتقل الحد هم من العيون والسمارة وطانطان وبوجدور وإملشيل والريش وكلميمة وفكيك وجرادة وكلميم وآسا الزاك حيث تم اعتقال العشرات من المواطنين من هذه المدن إثر أحداث الصحراء سنة 1973، ومن بين هؤلاء اخترنا أحد الأسماء التي تداولتها شهادات الناجين من أكدز وتبنت قضيتها مجموعة من الجمعيات الحقوقية، وهو المرحوم بلقاسم وزان، حيث اعتقل يوم 1973/4/17 وهو يزاول عمله على مقربة من الحدود الجزائرية المغربية المحادية لمدينة فكيك نقل إلى مركز الاحتجاز السري الكائن بمطار أنفا والمعروف بالكوربيس ثم إلى مركز الإحتجاز السري درب مولاي الشريف بالدار البيضاء وذلك إلى حدود يونيو 1973 حيث أودع بالسجن المركزي بالقنيطرة بتاريخ 30 غشت 1973 وأصدرت المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة بالقنيطرة في حقه حكما بالبراءة ولم يدع الجلادون له مجالا للفرح بالحكم القضائي حيث تم اختطافه في نفس يوم الحكم من داخل سجن القنيطرة وتعرض على إثر ذلك لعملية اختفاء قسري. شوهد أثناء مدة اختفائه في إحدى المعتقلات السرية بتمارة حيث قضى بها مدة سنة ثم رحل إلى معتقل تاكونيت ثم إلى معتقل أكدز مع مجموعة من المعتقلين ليلقى حتفه به. عن التفاصيل يحكي أحد أبنائه عبد الرحيم وزان في إطار شهادته أمام هيئة الإنصاف والمصالحة، ويقول كان أبي من أفراد المقاومة انخرط في صفوف القوات المساعدة مباشرة بعد استقلال المغرب كان يعتقد أنه سيفني حياته في خدمة وطنه، وفي يوم مشؤوم ودون سابق إنذار اعتقل من مقر عمله يوم 17 أبريل 1973 من منطقة الحلوف بتهمة إيواء أشخاص ينتمون إلى منطقة ثورية هدفها إثارة حرب أهلية بين السكان. وقد تم الإحتفاظ به بدائرة فكيك لمدة يومين ثم اختطف ولم يظهر له الأثر إلا من خلال رسالته لنا يضيف الإبن يوم 21 يونيو 1973. وفي 30 غشت 1973 حكم عليه بالبراءة طبقا لمقتضى الفصل 2، 3، و4 و 102 من القانون العسكري، بعد ذلك قامت أيادي الغدر والإجرام التي لم تقتنع بالحكم القضائي باستعمال آلتها القمعية واختطفته من داخل السجن المركزي. آمنت العائلة بأن تحركها ضروري من أجل استرجاع دفء الأب وهيبته إلا أن محاولاتها باءت بالفشل رغم مراسلتها لأعلى سلطة في البلاد... لم تيأس العائلة فواصلت البحث رغم الحصار المفروض عليها والتهديدات التي كانت تتلقاها الوالدة. استبشرنا خيرا بالعفو الذي شمل ضحايا الاعتقال سنة 1973 والذي أصدر سنة 1980، إذ تم إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، كان الصيف آنذاك وكنت أذهب أنا وإخوتي يوميا لمحطة الحافلات لعل ذلك الوجه الأبوي يطل علينا في أية لحظة، غير أن انتظارنا كان يجر أذيال الخيبة كلما تشبثنا بشعاع أمل عودة الأب. مرة أخرى راسلنا الجهات المسؤولة وبادلتنا السلطات القمعية بالترهيب إلى درجة أنها اقتحمت بيتنا في أحد الأيام وفتشته واعتقلت والدتنا لمدة 6 ساعات وحاولوا إرغامها على أن تشهد بأن يونس محمد وهو أب عمتها كتب لها رسالة ويونس محمد كان قد أفرج عنه في نفس السنة بعدما كان قد حكم عليه بالمؤبد. وفي الدورة 12 من دورات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في أكتوبر 1998 سيعلن على اللائحة 112 المتضمنة لأسماء المختطفين المتوفين، وكان اسم الوالد أدرج ضمنها تحت رقم 35 رغم أنه أدرج بإسمين وزان حمو بلقاسم فوزان حمو هو ابن عم الوالد اعتقل وحكم عليه بالبراءة واختطف لمدة 6 سنوات ليتم إطلاق سراحه والعثور عليه بإحدى دوائر الجديدة. وبعد البحث المدقق ومراسلة وزير العدل في 31 دجنبر 2000 أجابنا على أساس أن وزان بلقاسم اسم مدرج في اللائحة 112 وأنه توفي بأكدز وصدر حكم ببوعرفة بتقييد وفاته في سجل الحالة المدنية وعللت لنا المحكمة بعد بحثنا وفاته بشهادة طبية قيل فيها بأن بلقاسم توفي بمستوصف قروي بزاكورة وأطلعونا على تقرير يقول بأنه رجل عادي سائح وافته المنية بعد وعكة صحية. فمن ستصدق إذن تقارير الطبيب والقضاء أم شهادات العديدين الذين نجوا من جحيم أكدز وقالوا أنه مات به من جراء العذاب ووحشة المعتقل ... حاولنا من خلال هذه الشهادة أن نرصد معاناة المعتقلين وكذلك عائلتهم التي كابدت وقاست مرارة الإنتظار، متمسكة بأي حبل نجاة قد يخرجها من دوامة الانتظار الذي طال ولم ينقض. معاناة أقل ما يقال عنها أنها أشبه بتلك التي دوّت أركانها آهات المعذبين في جهنم أكدز... حتى الموت... فنكهة العذاب واحدة سواء داخل المعتقل أو مع محنة الإنتظار. عائلة وزان بنقاسم التي أبت حتى الجبال أن تدثر وحشتها بمعاطف الرحمة هي واحدة من العائلات التي قاست وعانت جحيم أكدز... لكن خارج أسواره الحمراء
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire